الأربعاء، 29 فبراير 2012

أدب السلوك فى مخاطبة الرؤساء والملوك



عادت السلطة الأبوية إلى مصر بفوز الإخوان والسلفيين 
 مشايخ وإمارات تحاول التحول إلى دولة،
ومصر الدولــة العريقــة تتحــول إلى قبيلـــة.



هل تلاحظ أن أحدا من نواب الإخوان أو السلفيين لم ينطق ببنت شفة (كلمة) عن المشير طنطاوى والمجلس العسكرى؟ ولا حرف ولا لفظ من المعارضة أو النقد، بل توقير يصل إلى حد التقديس تلمحه فى هذا الحماس السلفى الإخوانى المفرط فى عقاب نائب لأنه أتى بمثل شعبى يبدو جارحا للمشير، لهفة مثيرة للشفقة من نواب الإخوان والسلفيين لإثبات احترام مبالغ فيه للمشير.
 هذا أمر طبعا يمكن تفسيره بأسباب تخص التحالف والصفقة المعقودة بين المجلس العسكرى والتيار الدينى، ولكن ألا تتذكر أن نفس الإخوان والسلفيين لم ينطقوا ببنت شفة كذلك ضد حسنى مبارك شخصيا (ما عدا الأستاذ مهدى عاكف مرشد الإخوان السابق، فقد كان يضرب أحيانا فى الذات الرئاسية العليا!). يخلو سجل أى إخوانى من نقد مباشر للرئيس مبارك (لا أتوقع أن تجد هجوما واضحا مباشرا على مبارك بالاسم والصفة فى تصريحات وكتابات الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح ولا الدكتور سليم العوا قبل الثورة.. ومستعد للتصحيح فورا لو عثرتم على ما ينفى كلامى!).
 ثم إن السلفيين لم يقتربوا إطلاقا من الهجوم على مبارك، بل تاريخ دروس وخطب الشيخ محمد حسان يحتشد بمدحه والدعاء له. هنا بالضبط مكمن المشكلة! إن الثورة التى جاءت بطريقة جديدة للتعامل مع الرئيس باعتباره هدفا مباشرا واضحا لتحميل المسؤولية والهجوم والنقد والرفض بلا أى إفراط فى التوقير ولا التعظيم ولا التقدير وبلا أدب مملوكى!!
يتولى الآن إدارة شؤونها فى البرلمان (والحكومة إن سمح وقت ومزاج الإخوان!!) تيار محافظ تقليدى متربى على طاعة المرشد أو أمير الجماعة أو شيخهم السلفى، وبدلا من أن نطور العلاقة بين الشعب والرئيس إلى علاقة ليس فيها العلو ولا الحصانة ولا التعظيم، فإذا بنا نلبس فى الحيطة بتيار تقبيل الأيدى لرؤسائهم!!
إذن السلطة الأبوية ستعود لتسيطر على مصر بأكثر قسوة وبأعتى عنف مع غلبة التيار السلفى (بالمناسبة لعلك تعرف أن الإخوان سلفيون كذلك). عادت السلطة الأبوية إلى مصر بفوز الإخوان والسلفيين وكانت قد عادت السلطة الأبوية بمصر عشرات السنين إلى الوراء، وكأنه من المستحيل فعلا أن نصبح دولة عصرية محترمة.
 فلم يحدث أبدا أن تعامل الشعب الفرنسى مع ديجول أو ميتران أو ساركوزى طبعا على أنه الرئيس الأب، أو وصف الأمريكان آيزنهاور أو كينيدى أو رونالد ريجان أو جورج بوش بالرئيس الأب، ولا غيرهم من شعوب الدول المحترمة ديمقراطيا والراسخة فى العصر الحديث، أما العالم العربى فيعيش عصر القبيلة وشيخ القبيلة، وكنا نعتقد أن حكم القبائل يقتصر على الجزيرة العربية ودول الخليج التى هى مشايخ وإمارات تحاول التحول إلى دولة، فإذا بمصر الدولة العريقة تتحول إلى قبيلة.
 يشرح لنا الدكتور فؤاد زكريا معنى السلطة الأبوية فيقول «السمة المميزة لعلاقة رب الأسرة بأفرادها هى أن له عليهم حق الطاعة، وهكذا فإن الحاكم حين يصبح كبير العائلة أو رب الأسرة الواحدة يطالب لنفسه بحقوق الأب الذى لا يخضع لمحاسبة أبنائه، والذى تطاع أوامره مهما كانت قسوتها برضا واختيار، والذى ينبغى أن تقابل صرامته بالحب لأنها تستهدف دائما صالح العائلة، والأهم من ذلك أن الأب أو كبير العائلة هو الذى جمع الخبرة والمعرفة والرأى السديد وكل من عداه أقل منه قدرة، ومن ثم ينبغى أن يترك القرار له وحده، وعلى الآخرين أن يسعدوا ببقائهم فى الظل، وحتى لو بدا أن فى قراراته ظلما أو عدوانا فإن ذلك يرجع إلى جهلهم بمصالحهم الحقيقية التى يعرفها الرجل الكبير خيرا من أى فرد من أفراد الأسرة». السلطة الأبوية إنما تسحب كل قواعد المواطنة ودولة المؤسسات وإيشى تعددية وإيشى دستور وإيشى انتخابات وبرنامج انتخابى.. وعلينا أن نرمى هذه المفاهيم فى أقرب سلة قمامة إذا استمر الوضع على ما هو عليه من تمجيد هذه السلطة الأبوية التى لا تختلف إطلاقا عن السلطة الدينية، فما المطلوب من أى مواطن إلا أن يسكت ويسمع كلام الرئيس الأب، لأننا مش فاهمين حاجة ومايصحش تعلّى صوتك قصاد والدك، ويجب أن لا تختلف معه أو تعارضه بل تطالب بتغييره، كما لا يصح أبدا أن تقول لا للسيد المرشد فى الدولة الدينية تماما، فهذا هو الرئيس المرشد، ويبدو أن السلفيين والإخوان ملتزمون بتوجيه مفتى الوهابية ابن بازٍ -رحمه الله-: «… ليس من منهج السّلف التّشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر؛ لأنّ ذلك يُفضى إلى الانقلابات، وعدم السّمع والطّاعة فى المعروف، ويُفضى إلى الخروج الذى يضرُّ ولا ينفع، ولكنّ الطّريقة المتّبعة عند السّلف: النّصيحة فيما بينهم وبين السّلطان، والكتابة إليه، أو الاتّصال بالعلماء الذى يتّصلون به؛ حتى يُوجَّه إلى الخير…». واضح إننا ح نقضيها مع التيار الدينى والرئيس كده.. نصيحة ومكاتبة وحفظ كل نائب لكتاب أدب السلوك فى مخاطبة الرؤساء والملوك!!

ليست هناك تعليقات: