الجمعة، 17 فبراير 2012

التحليل النفسي لمبارك والزعماء العرب الذين أطاحت بهم ثورات الربيع العربي



الشعب المحكوم نفسه هو الذي يخلق الفراعين
 لانه يجعل الرئيس أو الزعيم في مكانة «الأب»
ولا يوجه له أي انتقاد مهما كانت أخطاؤه.
 الحكام العرب في العيادة النفسية


 علي مدار سنوات طوال كانت شخصية الرؤساء العرب الأربعة الذين أطاحت بهم ثورات الربيع العربي سراً دفينًا لا يعلم عنه أحد إلا ما يريد هؤلاء الرؤساء أن يعلمه الآخرون عنهم ورغم أنه كانت هناك هفوات وقعوا فيها بحكم الطبيعة البشرية إلا أن خطاباتهم السياسية وأداءهم في المناسبات المختلفة وتصرفاتهم كانت تكشف الكثير والكثير عن شخصياتهم ولكن الحديث عن هذه الأمور لم يكن مباحا من قبل و نحاول الآن التعرف علي ملامح شخصياتهم من خلال رؤية الخبراء.  إذا أردت أن تتعرف علي شخص ما فدعه يتحدث حتي تكشفه الكلمات ونبدأ مع خطابات مبارك التي كانت علي مدار سنوات اللغز الذي لم يفهمه المصريون
ولكن في حقيقة الأمر خطابه كان يكشف شخصيته إلي حد كبير..  ويحلل «د.عبد الفتاح أبوالفتوح»- استاذ اصول اللغة بجامعة الأزهر ووكيل كلية الدراسات العربية والإسلامية للبنات - شخصية مبارك من خلال خطاباته المتعددة علي مدار سنوات حكمه مقارنة بخطابات الثورة الثلاثة وكشف عن ان خطاباته الأولي بعد توليه الرئاسة كشفت عن عدم تمرسه السياسي، وظهر ذلك جليا من خلال الأخطاء المتكررة في نطق الكلمات، ولكن تدريجيا أصبح ممارساً جيداً وقضي علي الرهبة التي تواجهه أمام الجمهور، لكن هذا التلعثم عاد للظهور مرة أخري في الأيام الأخيرة من حكمه قبل التنحي وظهر ذلك جليا في الثلاثة خطابات الأخيرة، فكان أداؤه مهزوزًا وحركاته مرتبكة وكذلك نظراته التي كان يحاول فيها أن يخفي مشاعر القلق والتوتر داخل نفسه وذلك بالضغط علي حروف معينة لإظهار قوته واظهار أنه متماسك وقوي في آخر لحظاته.


 للصبر حدود أضاف د.أبوالفتوح قائلا انه علي الرغم من أن خطابات الثورة الثلاث لم تأت بجديد حتي في الكلمات لكنه أصر علي تكرار الجمل والكلمات نفسها في خطاباته السابقة معتقدا ان شعبه «أبله» أو ساذج لا يعي ما وراء تلك الكلمات ولكننا أثبتنا عكس اعتقاده وأننا شعب صبور وواعٍ وإنما «للصبر حدود».
يستطرد د.أبو الفتوح محللا خطاب مبارك أثناء الثورة قائلاً: بدأ مبارك متماسكًا في الخطاب الأول وكأنه مازال يسيطر علي مقاليد الأمور، ثم بدأ يستعطف الشعب بكلمات عاطفية وحماسية في الوقت ذاته، وهي الكلمات التي أثارت مشاعر كبار السن والبسطاء من خلال كلمات ولدت في بلدي وأموت علي أرضه خدمت وضحيت
» و التي لم تفلح بعد أن أعقبتها أحداث موقعة الجمل. قبل التنحي فيصفه د.أبوالفتوح في تحليله بالأسوأ.. حيث ظهر ذلك في صياغة الكلمات الركيكة والمضحكة في الوقت ذاته، وكأنه مازال هو المهيمن الأوحد وظهر ذلك في كلماته «سوف أحاسب وأعاقب كل مسئول عما حدث»، وكانت نهايته في التنحي استجابة لرغبة شعبه.


بن علي حاول التماسك وعبدالله صالح أما عن خطابات الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي فقد كان أداؤه أفضل بكثير من خطابات مبارك من حيث اختياره العبارات إلا أنه ظهر في أول اللحظات مهزوزا، لكنه أبدي محاولة التغيير والإصلاح إلا أن الشعب كان قد ثار وخرج مارده كما يقولون فلم تفلح هذه الكلمات في وقفه، وعلي النقيض تماما كانت خطابات الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح الذي اتسم في خطاباته بالدهاء الشديد والمكر لانه صاحب أصول بدوية وعبرت خطاباته عن أنه رجل مخادع وليس رجل دولة، فقد استطاع سابقا بكلمات قليلة ان يخدع شعبه القبلي.


القذافي «مجنون» وبشار الأسد متحدث لبق  وعن خطابات الرئيس الليبي معمر القذافي فهي كانت من أبرز ما يكشفه وأظهرت، سمات شخصيته حيث اتسم بأنه كان مهرجا ومصابا بجنون العظمة ويتمتع بنرجسية عالية غرور وهو ما انعكس علي خطاباته التي تدل علي انه معتوه ويعتقد انه قائد وزعيم زعماء العرب، ولكن علي النقيض منه تماما تأتي خطابات الرئيس السوري بشار الأسد الذي ظهر منذ بداية الاحتجاجات ملقيا كلمات تدل علي الثقافة العالية التي يتمتع بها علي النقيض من باقي الرؤساء العرب فقد كان حريصا علي لغته العربية في جميع خطاباته ويحرص علي اختيار المصطلحات بعناية كما أنه متحدث لبق رغم صغر سنه لذلك هناك طائفة تحبه بسبب خطاباته الرائعة.

>

 «سلطة الأب»
  التحليل النفسي لمبارك والزعماء العرب الذين أطاحت بهم ثورات الربيع العربي  فيحدثنا عنه «د.أحمد شوقي» - أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر- مشيرًا إلي أن شخصيات الرؤساء العرب ما هي الا نتاج مجتمع أبوي ظهرت فيه «سلطة الأب» مستطردا أن غالبيتهم كانوا عسكريين وبعد سنوات قليلة من الحكم أصبحوا فاسدين وظهر ذلك بوضوح في تصرفاتهم المالية والاجتماعية واستغلال نفوذ الدولة كما لو كانت ملكية خاصة بهم وكانت النهاية تكوين شخصيات ديكتاتورية وبالتالي تحولوا إلي نموذج الفرعون العبيد لسلطتهم، والذين يحيط بهم مجموعة من الفاسدين الذين يمنعون وصول الأخبار السيئة إليه هذا بالإضافة إلي الشعب المحكوم نفسه فهو الذي يخلق الفراعين لانه يجعل الرئيس أو الزعيم في مكانة «الأب» ولا يوجه له أي انتقاد مهما كانت أخطاؤه.
** إستيعاب متأخر 
 وأوضح شوقي تحول في شخصية مبارك في سنوات حكم لمصر الأولي حيث كان شخصية عسكرية ملتزمة وكان آخر أحلامه أن يصبح سفير مصر في لندن ولم تكن لديه مطامع في الرئاسة ولكنت شاءت الأقدار ان يصبح رئيسا بالصدفة بعد وفاة السادات، فلجأ في السنوات الأولي من حكمه الي الاستعانة بالخبراء في إدارة البلد في اعداد خطة لرفع اقتصاد مصر وإصلاحها، ولكن بالتدريج تحول من مستمع للخبراء إلي صاحب القرار النهائي والرؤية الصائبة وتحول الي ضحية لسوزان والحاشية من جمعية المستفيدين من ولديه جمال وعلاء وزكريا عزمي وغيرهم وكونوا حوله دائرة تعزله عن الواقع واعتقد ان شعبه يعيش الرخاء، وأصيب بالذهول مما يحدث عندما قامت ثورة يناير، وكان دائما متأخرًا في الاستيعاب وكذلك في قراراته وكانت النهاية سقوطه، وكلف مبارك المجلس العسكري في إدارة البلاد.
 وهنا التقت رغبة المجلس العسكري في التخلص من جمال والتوريث مع إرادة الشعب والتخلص من مبارك ونظامه، ومع مرور عام كامل اكتشفنا أن المجلس العسكري ضد الثورة لأنه يؤمن بالإصلاح وليس الثورة وظهر هذا واضح في محاكمات الهزلية لمبارك وجميع أفراد النظام السابق.  فض الاشتباك من الواقع لفت شوقي إلي أن حالة مبارك في جلسات المحاكمات تكشف وصوله لحالة فض الاشتباك من الواقع زهد في الواقع وذلك لكبر سنه وظهر ذلك علي المستوي النفسي وبما فيه من إنكار للواقع في المحاكمات وكأنه يشاهده فقط وليس طرف لانه تحول من مديرعموم القطر المصري في السنوات العشر الأولي إلي «نصف اله»، وعلي الرغم من ذلك كانت تصرفاته أكثر حكمة وإنسانية لأنه أدرك أن عقيدة القوات المسلحة في الحفاظ علي شعبه المدنيين وان عدوه الوحيد هو في الخارج، علي العكس القذافي فهو مجنون
وليس له قدرة في التعامل مع الواقع ذاته وتعامل مع شعبه كأنه «صراصير» لاقي جزاءه وهذه أيضًا سوف تكون نهاية الأسد لأنه لم يستطع ان يقدم تنازلات ولجأ للعنف وقتل الآلاف، أما علي إدرك النهاية فهرب وهذا ما فعله أيضًا صالح بطريقة أخري بعد ضغط القبائل عليه للتنازل
.

 ثكنة عسكرية **خطأ الشعوب العربية
وذكر د.سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية أن كل المنطقة العربية بها أنظمة مستبدة ولكن بدرجات مقارنة، فمصر أقل الدول ديكتاتورية لما بها من حريات إعلامية وجماعات سياسية وتنظيمات مستقلة ونقابات واضرابات واعتصامات علي عكس لبيبا وتونس لا يوجد بها الا القهر بجميع مستوياته وكذلك اليمن بما فيها من حروب أهلية وانقسامات قبلية وتخلف شديد، لذلك الفرعون المصري أكثر تحضرا بالمقارنة بفراعين العرب، علي الرغم أن شخصية مبارك العسكرية لم تهتم بحقوق الإنسان وكرامة المواطن فهو يتحدث عنها بصورة عامة ولكن لا ينفذها ويتعامل مع شعبه كأنه في معسكر وليس في دولة، وهذا كان واضح في خطاباته بعد الثورة الذي تعمد استخدام العاطفة والتمثيل للاستخفاف بالعقل المصري في كلماته «أموت في بلدي» وما بها من خداع والتفاف عن الواقع. فقد هيبته وأشار صادق إلي أن مبارك فقد هيبته في جلسات المحاكمة، فكان يعتقد أن بظهوره علي سرير متحرك وهو في هذه السن سوف يكسب تعاطف الناس بعد كل تصرفاته المستبدة مثل صدام حسين بل بالعكس تحول حديث الناس حول صبغة شعره وصحته الجيدة وتمثيله للمرض وهو مازال يعتقد أنه في مسرحية هزلية وظهر ذلك واضحا بعد تهديده بالانتحار إذا تم تحويله لمستشفي طرة لأنه يظن أنه مازال يحكم ويسيطر ويريد مستوي معيشة عالية، فكيف كان قويا وقت خطابات الثورة وبعدها يتظاهر بالمرض؟


ليست هناك تعليقات: