الأربعاء، 22 فبراير 2012

يتحدثون عن هيبة الدولة .. المعذبون في الأرض يؤرقهم الشوق الى العدل



هيبة الدولة + أمن الوطن
وصل الأمر الى ذروته التراجيدية مجسدا فيما مارسته شرطة وداخلية – العادلي
بحق أبنائنا وأخواننا وأخواتنا وشبابنا
خلال ملاحم ثورة يناير في ميادين التحرير.


•• و.. يتحدثون عن هيبة الدولة.. وعندنا أن أولى ابجديات هذه الهيبة إنما تتمثل في "الشرطة"، ولو راجعت سيادتك أفلام زمان لراعك نداء: يا شاويش.. يا بوليس.. وبعدها يخف الشاويش أو حضرة الصول أو جناب الضابط الى نجدة المستغيث.. هذا ناهيك عن سارينة سيارة النجدة التي كان يحلو لمخرجي ذلك الزمان أن يطلقوها كي تدوي في قاعة السينما إيذانا بأن الشاويش قد جاء وأن المجرم سيلقى ما يستحقه من صنوف الجزاء. صحيح أن كان هناك من ينتقد بطء الشرطة أو تقاعس الضباط عن مطاردة الجناة.. بل كان هناك من يتهم مؤسسة الشرطة بالتقصير وأحيانا بالتواطؤ أو حتى الفساد.. وخاصة ما يتعلق برشاوي المرور في رائعة النهار. في هذا السياق قد نسترجع كلمات شاعر عتيق وظريف هو المرحوم حسين شفيق المصري (صاحب ديوان "المشعلقات" على وزن المعلقات.. وقد نشر في زمانه (عقد الثلاثينات من القرن الماضي) قصيدته التي يعارض فيها معلقة عمرو بن كلثوم الجاهلية الشهيرة التي يقول مطلعها "الا هبي بصحنك فاصبحينا.. ولا تبقي خمور الاندرينا.. وفيها البيت الجاهلي الشهير الذي لا يزال يودي العرب في ستين داهية من فرط الغرور الأجوف.. حيث يقول الأخ عمرو بن كلثوم:
 • إذا بلغ الرضيع لنا فطاما تخرّ له الجبابر ساجدينا .. فتأمل! المهم أن العم حسين المصري كتب في أيامه قصيدة قال فيها في معرض التريقة على الشرطة فقال:
 • وكان لنا بحَارِتنا غفير ينام ونحن طرّا صاحيونا وشاويش يغيب إذا اعتركنا ويحضر بعدما نتصالحونا وإذن فقد كان الغفير يستسلم الى النعاس.. أما الشاويش فقد كان يختفي وقت اندلاع الأزمة واشتعال الاشتباك.. وهي حالة عايشها جماهير شعبك المصراوي الطيب في فترة الفراغ الأمني التي مازالت فاغرة فاها حتى كتابة هذه السطور. ألم تر مثلا الى حكاية اللجوء في حوادث قنا في الجنوب والنهضة – العامرية في الشمال الى حكاية المجالس العرفية والتشكيلات القبلية والمراجع العشائرية التماسا للحلول أو لبعض الحلول.! إقصاء الدولة مرفوض أنت هنا تقصي دور الدولة.. تنفي الدولة وتستبعدها الى درجة التهميش.. وكأنك تستدعي تريقة الشاعر المصراوي القديم الذي سخر من الشاويش الذي يغيب إذا اعترك سكان الحارة – الوطن ولا يحضر.. إلا بعد أن يلتمس السكان – المواطنون سبيلا الى صلح هو أقرب الى الهدنة المؤقتة التي قد تطفئ ألسنة اللهيب لكنها لا تؤدي الى انتزاع فتيل الجمر المتقد تحت السطح وهو المنذر في أي لحظة بمعاودة الاشتعال الى حد الانفجار في بعض الأحيان. المطلوب إذن هو عودة الهيبة لذلك الكائن الخطير الذي يحمل اسم "الدولة".. بشرط أن تكون دولة منحازة للناس.. للفقراء والمستضعفين والمكدودين وهم المعذبون في الأرض الذين يؤرقهم الشوق الى العدل كما قال طه حسين يوما. ولا يحرس كيان العدل سوى دولة تصون هيبتها وتحرس جلالها وتمارس حزمها بعيدا عن آفات الفساد أو الترهل أو زواج الثروة بالثورة أو الإنحياز المغرض لصالح فئات محدودة العدد من المحتكرين والمستغلين والمتحكمين في مقاليد الوطن وفي موارده وفي ثرواته وبالتالي في مستقبل أبنائه على نحو ما كانت عليه دولة – مبارك وأذنابه وأغواته على مدار أعوامها السود الثلاثين. عن وزير الداخلية المطلوب أيضا هو عودة الشاويش الذي لا يغيب إذا اعتركنا.. بل هو "رجل الدولة" (STSTESMAN) المختص بملّف الأمن، الساهر على سكينة المجتمع الحارس الأمين لمقدراته ومقاليده وموارده ومكانته وآفاق مستقبله. وبحكم التعريف فالشاويش المذكور يتولى موقعه المرسوم وهو:
 •• وزير الداخلية. وفيما يقتضي الأمر تنبيه وزير الداخلية (وبالتالي تنبيه معاونيه وأركان حربه كما قد نقول) الى خطورة مواقعهم وحيوية ما يضطلعون به من مسئوليات، ولاسيما في مرحلة راهنة وفاصلة بحق من حياة هذا الوطن.. فإن الأمر يتطلب بنفس القدر استرعاء اهتمام جميع الأطراف وشتى الأطياف الى ضرورة الحفاظ على صورة وزير الداخلية المذكور أعلاه ونبادر لنؤكد أننا لسنا واقعين لا في غرام الداخلية ولا وزيرها ولا جنرالاتها لا من قريب ولا من بعيد. بالعكس نحن نشأنا على شعور بكل احترام وكان بطعم الوجل خفيفا كان أو غير ذلك حين يتطرق الحديث، أي حدث، عن مركز الشرطة الذي عرفه جيلنا الحضري باسم "القسم" وعرفته أصولنا الريفية باسم "النقطة" فما بالك حين يرتفع الأمر الى مستوى "المركز".. فيما عرفته أجيال مخضرمة سبقتنا باسم "التُمن" حين كانت العاصمة مقسمة الى 8 أجزاء أو ثماني مناطق.. والله أعلم. وعندنا أن النظام المباد أساء الى الشرطة سواء اتخذت مواقعها في القسم.. أو النقطة أو في الوزارة أو في التُمن أو حتى في الأكاديمية حين اتخذها قاعدة لقوته وسلطانه ومتكأ لما اقترفه من مثالب الفساد والانحراف والاستغلال بحق مصر والمصريين. الى أن وصل الأمر الى ذروته التراجيدية مجسدا فيما مارسته شرطة وداخلية – العادلي بحق أبنائنا وأخواننا وأخواتنا وشبابنا خلال ملاحم ثورة يناير في ميادين التحرير. شراكة الشعب والشرطة بيد أن هذا كله ملف ينبغي أن يصل الى منتهى سطوره لا بإيداعه في متاحف الذكرى ولكن من خلال تفعيل المساءلة عن بنوده والمحاسبة عما احتواه من جرائم وأخطاء. بعدها يغلق الملف ليظل عبرة لمن يتولى مثل هذه المسئولية في المستقبل.. وبعدها.. نستشرف الأفق التماسا لشرطة جديدة من حيث المفاهيم والمبادئ والسلوكيات والممارسات. ويظل الأمر شراكة بين الطرفين: الشرطة والشعب وفيما نطالب الشرطة بهذا المنحى الجديد في خدمة المهنة والأمن والوطن.. فإننا نطالب الناس.. بنهج سلوكي جديد بنفس القدر تضم مفرداته معاني الثقة في الشرطة واحترام انفاذها للقانون وسهرها بكل موضوعية واحترافية ونزاهة على إقرار الأمن وضبط النظام. مرة اخرى فإن مناط هذا كله مبدأ بديهي هو:
 •• هيبة الدولة. وهذا المبدأ ليس مجرد شعار بلاغي نردده ونروجه في ميديا الإعلام. هيبة الدولة.. واحترام الشرطة.. في ضوء سلوكياتها ومسئولياتها المستجدة تتجسد بداية في مسئولها رقم واحد ضمن تسلسلها القيادي: نتحدث عن وزير الداخلية الذي نشدد على ضرورة الجمع الحصيف والرشيد بين أن يحظى بالاحترام والتقدير وبين أن يخضع للنقد والتقييم والمساءلة. لكننا نرى أن عمليات النقد والتقييم والمساءلة لا ينبغي أن تتغول الى حد التجاوز.. الذي يصل الى حواف التشهير أو التنديد إن لم يكن الإهانة في بعض الأحيان. نقول هذا ونحن نطالع مع أخبار الصباح أحاديث بدرت عن بعض نواب الشعب تتحدث عن محاكمة الوزير.. واحتمال إدانة الوزير وافتقار الوزير لأي رؤية سياسية فضلا عن عجز الوزير وارتباك الوزير.. وهي الآلفاظ والمصطلحات التى ذاعت بعد اجتماعه بلجنة برلمانية ضمت خمسة من النواب المحترمين. تساؤلات مشروعة ولك أن تتساءل – بالله عليك – كيف يتسنى لمسئول محترم بدوره، وقد ألصقت به مثل هذه العيوب والسلبيات.. دعك من التهديدات بالمثول أمام محكمة خاصة ان يصدر أمرا ويسلك مع مرؤوسيه سلوكا قوامه الحزم وقد يصل بالضرورة الى حالة الردع في بعض الأحيان. في تاريخ مصر السياسي.. اشتهر في عقد العشرينات مقال كتبه الفقيه القانوني الراحل عبدالعزيز باشا فهمي الى حسن نشأت باشا ناظر الخاصة الملكية – كما كانوا يسمونها في عهد الملك فؤاد – وقد ناقش فهمي باشا كثيرا من مثالب وطغيان نشأت باشا.. ثم اختار للمقال عنوانه الأشهر وهو: ـ حنانيْك يا نشأت! وهو نفس ما نوجهه الى الأخوة النواب أن يخففوا الوطأ.. وأن يتحرّوا.. وهم القادرون.. الخيط الرفيع بين التقييم والتشهير وأن يوغلوا في الأمر برفق.. فالوزير قادر في أي لحظة على مفارقة المنصب.. ونحسبه لن يخسر كثيرا.. بل الخاسر الأكبر أمران هما:
 •• هيبة الدولة + أمن الوطن.

ليست هناك تعليقات: